معرفةُ اللهِ تعالى بالدليلِ

لفتة الكبد في نصيحة الولد

معرفةُ اللهِ تعالى بالدليلِ

وأوَّلُ ما ينبغِي النظرُ فيهِ معرفةُ اللهِ تعالى بالدليلِ، ومعلومٌ أنَّ مَنْ رأى السماءَ مرفوعةً والأرضَ موضوعةً وشاهدَ الأبنيةَ المـُحكمَةَ خصوصًا في جَسَدِ نفسِهِ علِمَ أنهُ لا بدَّ للصنعةِ مِنْ صانعٍ وللمبْنَى مِنْ بانٍ. ثمَّ يتأملُ دليلَ صدقِ الرسولِ صلَّى اللـهُ عليهِ وسلمَ إليهِ وأكبرُ الدلائلِ القرءانُ الذي أعجزَ الخلْقَ أن يأتُوا بسورةٍ مِنْ مِثْلِهِ فإذا ثبَتَ عندَهُ وجودُ الخالقِ جلَّ وعلا وصدقُ الرسولِ صلى اللـهُ عليهِ وسلَّم وجَبَ تسليمُ عنانِهِ إلى الشرعِ. ثمَّ يجبُ عليهِ أنْ يعرفَ ما يجبُ عليهِ مِنَ الوضوءِ والصلاةِ والزكاةِ إنْ كانَ لهُ مالٌ والحجِّ وغيرِ ذلكَ مِنَ الواجباتِ. فإذا عرفَ قدْرَ الواجبِ قامَ بِهِ. فينبغِي لِذِي الهمَّةِ أنْ يترقَّى إلى الفضائلِ فيتشاغلَ بحفظِ القرءانِ وتفسيرِهِ وبحديثِ الرسولِ صلَّى اللـهُ عليهِ وسلَّمَ وبمعرفةِ سِيَرِهِ وسِيَرِ أصحابِهِ والعلماءِ بعدَهُمْ ليتخيَّرَ مرتبةَ الأعْلى فالأعْلى ولا بُدَّ مِنْ معرفةِ ما يُقوِّمُ بهِ لسانَهُ مِنَ النحوِ ومعرفةِ طرفٍ مستعملٍ مِنَ اللغةِ .والفقهُ أصلُ العلومِ والتذكيرُ حَلوَاؤُهَا وأعمُّها نفعًا وقد رتَّبْتُ في هذهِ المذكوراتِ مِنَ التصانيفِ ما يُغنِي عنْ كلِّ مَا سبقَ مِنْ تصانيفِ القُدَماءِ وغيرِهَا بحمدِ اللهِ ومنِّهِ فأغنيتُكَ عنْ تَطَلُّبِ الكتبِ وجمْعِ الهِمَمِ للتصنيفِ وما تَقِفُ هِمَّةٌ إلا لِخَساستِهَا وإلا فمتى علَتِ الهمَّةُ فلا تقنعْ بالدونِ .وقدْ عرفْتُ بالدليلِ أنَّ الهمَّةَ مولودةٌ معَ الآدميِّ وإنَّمَا تقْصُرُ بعضُ الهِمَمِ في بعضِ الأوقات فإذا حُثَّتْ سارَتْ. ومتَى رأيتَ في نفسِكَ عجْزًا فسلِ المُنْعِمَ أوْ كسَلاً فالجأْ إلى الموفِّقِ فلنْ تنالَ خيرًا إلا بطاعتِهِ ولا يفوتُكَ خيرٌ إلا بمعصيتِهِ فمَنِ الذي أقْبلَ عليهِ فلمْ يرَ كلَّ مرادٍ؟ ومَنِ الذي أعْرضَ عنهُ فمضى بفائدةٍ أو حظِيَ بغرَضٍ مِنْ أغراضِهِ أوَ مَا سمعْتَ قولَ الشاعرِ:
واللهِ ما جئْـتـُكُمْ زائرًا *** إلا وجدْتُ الأرضَ تُطوَى لِي
ولا ثَنَيْتُ العزْمَ عنْ بابِكُمْ *** إلا تَـعَـثَّرتُ بِأَذْيَـالِـي